فضل التفقه في الدين
الحمد لله رب
العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان
إلى يوم الدين .
وبعد : فإن التفقه
في الدين من أفضل الأعمال , وهو علامة الخير : قال صلى الله عليه وسلم
:(
من يرد الله به خيرا ; يفقه في الدين)
وذلك لأن التفقه في الدين يحصل به العلم النافع الذي يقوم عليه العمل الصالح .
قال الله تعالى :
(
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ)
فالهدى هو العلم النافع , ودين الحق هو العمل الصالح .
وقد أمر الله سبحانه
نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله الزيادة من العلم : قال تعالى :(
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا)
قال الحافظ ابن حجر : " وهذا واضح الدلالة في فضل العلم ; لأن الله لم يأمر نبيه
صلى الله عليه وسلم بطلب الازدياد من شيء ; إلا من العلم , وقد سمى النبي صلى الله
عليه وسلم المجالس التي يتعلم فيها العلم النافع ب ( رياض الجنة ) , وأخبر أن
العلماء هم ورثة الأنبياء .
ولا شك أن الإنسان
قبل أن يقدم على أداء عمل ما , لا بد أن يعرف الطريقة التي يؤدي بها ذلك العمل على
وجهه الصحيح , حتى يكون هذا العمل صحيحا , مؤديا لنتيجته التي ترجى من ورائه ; فكيف
يقدم الإنسان على عبادة ربه التي تتوقف عليها نجاته من النار ودخوله الجنة : كيف
يقدم على ذلك بدون علم ؟ ! ومن ثم افترق الناس بالنسبة للعلم والعمل ثلاث فرق :
-
الفريق الأول : الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح , وهؤلاء قد هداهم الله صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , وحسن أولئك رفيقا .
-
الفريق الثاني : الذين تعلموا العلم النافع ولم يعملوا به , وهؤلاء هم المغضوب عليهم من اليهود ومن نحا نحوهم .
-
الفريق الثالث : الذين يعملون بلا علم , وهؤلاء هم أهل الضلال من النصارى ومن نحا نحوهم .
ويشمل هذه الفرق
الثلاث قوله تعالى في سورة الفاتحة التي نقرؤها في كل ركعة من صلواتنا :(
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
قال الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : وأما قوله تعالى :(
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)
فالمغضوب عليهم هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم , والضالون العاملون بلا علم
.
فالأول: صفة
اليهود.
والثاني: صفة
النصارى.
وكثير من الناس
إذا رأى في التفسير أن اليهود مغضوب عليهم وأن النصارى ضالون ; ظن الجاهل أن ذلك
مخصوص بهم , وهو يقرأ أن ربه فارض عليه أن يدعو بهذا الدعاء , ويتعوذ من طريق أهل
هذه الصفات ! ! فيا سبحان الله ! كيف يعلمه الله ويختار له ويفرض عليه أن يدعو ربه
دائما ; مع أنه لا حذر عليه منه , ولا يتصور أن فعله هذا هو ظن السوء بالله ؟ !
انتهى كلام الشيخ [الحافظ
بن حجر]رحمه
الله
.
وهو يبين لنا الحكمة
في فريضة قراءة هذه السورة العظيمة - سورة الفاتحة - في كل ركعة من صلاتنا ; فرضها
, ونفلها ; لما تشتمل عليه من الأسرار العظيمة , التي من جملتها هذا الدعاء العظيم
: أن يوفقنا الله لسلوك طريق أصحاب العلم النافع والعمل الصالح , الذي هو طريق
النجاة في الدنيا والآخرة , وأن يجنبنا طريق الهالكين , الذين فرطوا بالعمل الصالح
أو بالعلم النافع .
ثم اعلم أيها القارئ
الكريم أن العلم النافع
إنما يستمد من الكتاب والسنة
تفهما وتدبرا , مع الاستعانة على ذلك بالمدرسين الناصحين وكتب
التفسير
وشروح
الحديث
وكتب
الفقه
وكتب
النحو
واللغة العربية
التي نزل بها القرآن الكريم , فإن هذه الكتب طريق لفهم الكتاب والسنة .
فواجب عليك يا أخي المسلم - ليكون عملك صحيحا - أن تتعلم ما يستقيم به دينك ; من
صلاتك وصومك وحجك , وتتعلم أحكام زكاة مالك , وكذلك تتعلم من أحكام المعاملات ما
تحتاج إليه ; لتأخذ منها ما أباح الله لك ; وتتجنب منها ما حرم الله عليك ; ليكون
كسبك حلالا , وطعامك حلالا ; لتكون مجاب الدعوة , كل ذلك مما تمس حاجتك إلى تعلمه ,
وهو ميسور بإذن الله متى ما صحت عزيمتك وصلحت نيتك .
فاحرص على قراءة الكتب النافعة , واتصل بالعلماء ; لتسألهم عما أشكل عليك , وتتلقى
عنهم أحكام دينك , وكذلك تعني بحضور الندوات والمحاضرات الدينية التي تقام في
المساجد وغيرها , وتستمع إلى البرامج الدينية من الإذاعة , وتقرأ المجلات الدينية
والنشرات التي تعني بمسائل الدين , فإذا حرصت وتتبعت هذه الروافد الخيرية ; نمت
معلوماتك , واستنارت بصيرتك .
ولا تنس يا أخي أن
العلم ينمو ويزكو مع العمل
فإذا عملت بما علمت ; زادك الله علما ; كما تقول الحكمة المأثورة : " من عمل بما
علم ; أورثه الله علم ما لم يعلم " , ويشهد لذلك قوله تعـالى:(
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ عَلِيمٌ)
والعلم أحق ما تصرف فيه الأوقات , ويتنافس في نيله ذوو العقول , فبه تحيا القلوب
وتزكو الأعمال .
ولقد أثنى الله جل ذكره وتقدست أسماؤه على العلماء العاملين , ورفع من شأنهم في
كتابه المبين قال تعالى :(
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا
يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
وقال تعالى:(
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
فبين سبحانه وتعالى ميزة الذين أوتوا العلم المقرون بالإيمان , ثم أخبر أنه خبير
بما نعمله , ومطلع عليه ; ليدلنا على أنه لا بد من العلم والعمل معا , وأن يكون كل
ذلك صادرا عن الإيمان ومراقبة الله سبحانه .
أهـ
من مقدمة الشيخ العلامة صالح بن فوزان آل فوزان
- حفظه الله - لكتاب الملخص الفقهي بتصرف يسير.