الشيخ محمد سعيد رسلان

السبت، 10 أغسطس 2013

الركائز العشر للتحصيل العلمي

الركائز العشر للتحصيل العلمي  
  تأليف الشيخ : عبد الله صلفيق الظفيري 
    تقديم فضيلة الشيخ : أحمد بن يحيى النجمي


 
 
                                     بسم الله الرحمن الرحيم
                          كلمة فضيلة الشيخ / أحمد بن يحيى النجمي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وبعد :
فقد عرض على أخونا في الله عبد الله بن صلفيق الظفيري كلمته التي كتبها عن الركائز التي ينبغي لطالب العلم أن يسلكها ، فرأيتها كلمة ممتازة ، وفق فيها إلى حصر الركائز التي يحتاج إليها طالب العلم ، والتدليل عليها من الكتاب والسنة .
وبالجملة : فقد أجاد وأفاد ، فجزاه الله خيراً ، وبارك فيه ، وكَثَّر من أمثاله ، وإني لأحث طلاب العلم على حفظ هذهِ الركائز والعناية بها ، وبالله التوفيق .

كتبه :
أحمد بن يحيى النجمي .
27/4/1421 هـ .

 
 
                             بسم الله الرحمن الرحيم

 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله
أمـــــا بعــــد :
فهذه كلمات يسرة في بيان الأسس المهمة التي يحتاجها السالك مسلك طلب العلم ، أوصي وأذكر بها نفسي وإخواني ، فإن من رام طلب العلم وأراد تحصيله فلا بد له من ركائز وأسس عشرة :

أولا : الاستعانة بالله عز وجل

فالمرء ضعيف لا حول ولا قوة له إلا بالله ، وإذا وكل إلي نفسه هلك وضاع ، وإذا وكل أمره إلي الله تعالي واستعان به على طلب العلم فإن الله تعالي يعينه ، وقد حث الله عز وجل على ذلك في كتابة الكريم ، فقال تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وقال تعالى : (ومن يتوكل على الله فهو حسبة ) [ الطلاق :3]أي : كافية ، وقال تعالى : ( وعلي الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ]المائدة :23]
ويقول النبي صلي الله عليه وسلم : " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً .
وأعظم الرزق : العلم ، ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم كان دائما متوكلا مستعينا بربه في أموره كلها . وفي دعاء الخروج الثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم دلاله على ذلك حيث كان يقول ( باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
)

ثانياً : حسن النية
 فالمرء نيته لله عز وجل في طلب العلم مخلصا لله في ذلك لا يريد سمعة ولا شهرة ، ولا عرضاً من أعراض الدنيا .
ومن جعل نيته لله وفقه الله تعالي وأثابه على ذلك ، لأن العلم عبادة بل من أعظمها .
والعمل لا يكون العبد مثاباً عليه إلا إذا كان خالصاً لله تعالى متبعة فيه للرسول صلي الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول ، ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) [ النحل :128[.
وأعظم التقوى : إخلاص النية لله ، والمرائي في طلب العلم . فضلا عن خسارته في الدنيا فإنه معاقب في الآخرة ، كما جاء في الثلاثة الذين يسحبون على وجوههم في النار ، ومنهم رجل طلب العلم ليقال : عالم ، وقد قيل .
 
ثالثا : التضرع إلي الله تعالى وسؤاله التوفيق والسداد
 ودعاؤه ربه الاستزادة من طلب العلم ، فالعبد فقير ، محتاج إلي الله غاية الحاجة ، والله تعالى حث عبادة إلي سؤاله والتضرع إليه ، فقال : ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر :60[ .
وقال النبي صلي الله عليه وسلم : ( ينزل ربنا كل ليلة إلي سماء الدنيا ، فيقول : من يدعوني فأستجب له ، من يسألني فأعطية ، ومن يستغفرني فأغفر له) .
والله عز وجل أمر نبيه أن يسأله الاستزادة من العلم ، فقال تعالى : ( وقل رب زدني علما ) [ طه : 114] . وقال تعالى على لسان إبراهيم علية السلام :( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) [ الشعراء : 83] والحكم : هو العلم ، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم … الحديث.(
والنبي صلي الله عليه وسلم دعا لأبي هريرة رضي الله عنه بالحفظ ، ودعا لابن عباس – رضي الله عنهما – بالعلم فقال : ( اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل ) فاستجاب الله دعاء نبيه ، فكان أبو هريرة رضي الله عنه لا يسمع شيئا إلا حفظة ، وأصبح ابن عباس – رضي الله عنهما – حبر الأمة وترجمان القرآن ولا يزال العلماء علي هذا يتضرعون إلي الله ويسألونه العلم ، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – يذهب إلي المساجد ، ويسجد لله ويسأله فيقول : يا معلم إبراهيم علمني ، ويا مفهم سليمان فهمني  . فاستجاب له دعاءه ، حتى قال ابن دقيق العيد عنه : قد جمع الله له العلم حتى كأنه بين عينيه يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء .

رابعا : صلاح القلب
 فالقلب وعاء العلم، فإن كان الوعاء صالحاً خزن ما فيه وحفظه ، وإن كان الوعاء فاسدا ضيع ما فيه .
والرسول صلي الله عليه وسلم جعل القلب أساس كل شئ ، فقال : ( ألا وإن في الجسد مضغه ، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب)  .
وصلاح القلب يكون بمعرفة الله تعالي بأسمائه وصفاته وأفعاله والتفكير في مخلوقاته وآياته ، ويكون بتدبير القرآن العظيم ، ويكون كذلك بكثرة السجود وقيام الليل .
ويتجنب مفسدات القلب وأمراضه ، فإنها إن وجدت في القلب فإنه لا يستطيع حمل العلم ، وإن حمله لا يفقهه ، كما قال الله تعالى عن المنافقين مرضى القلوب : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ) [ الأعراف : 179] .
وأمراض القلوب نوعان : شهوات ، وشبهات :
فالشهوات : كحب الدنيا وملذاتها ، والانشغال بها ، وحب الصور المحرمة ، وسماع المحرمات من الأصوات والمزامير والغناء ، وكذلك النظر المحرم .
والشبهات : كالاعتقادات الفاسدة ، والأعمال المبتدعة ، والانتماء للاتجاهات الفكرية البدعية المخالفة لمسلك السلف الصالح .
ومن أمراض القلوب الصادة عن العلم أيضا : الحسد ، والغل ، والكبر .
ومن مفسدات القلب أيضا : فضول النوم ، وفضول الكلام وفضول الكلام وفضول الطعام .
فتجنب هذه الإمراض والمفسدات صلاح للقلب .


خامسا : الذكاء
والذكاء يكون جلبة ، ويكون مكتسباً ، فإن كان المرء ذكيا قواه ، وإلا مرن نفسه حتى يكتسبه .
والذكاء من الأسباب القوية المعنية علي تحصيل العلم ، وفهمه وحفظه ، والتفريق بين المسائل ، والجمع بين الأدلة وغير ذلك
.

سادسا : الحرص علي تحصيل العلم سبب لتحصيله وإعانة الله تعالى له

والله تعالى يقول : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هو محسنون ) [ النحل : 128]. والإنسان إذا عرف أهمية الشيء حرص على تحصيله ، والعلم أعظم شيء يتحصله المرء .
فعلى طالب العلم : الحرص الشديد على حفظ العلم وفهمه ، ومجالسه العلماء والتلقي عنهم ، ويحرص على كثرة القراءة ، واستغلال عمره وأوقاته ، ويكون شحيحاً جدا على وقته .
 
سابعا : الجد والاجتهاد والمثابرة على التحصيل العلمي

والابتعاد عن الكسل والعجز ، ومجاهدة النفس والشيطان فالنفس والشيطان مثبطان عن طلب العلم .
ومن الأسباب المعينة على الاجتهاد في الطلب : قراءة تراجم العلماء وصبرهم وتحملهم ، ورحلاتهم في تحصيل العلم والحديث
.

ثامنا : البلغة
وهي أن يفرغ الطالب غاية جهده حتى يبلغ مراده في العلم والقوة فيه : حفظاً وفهماً ، وتعقيداً
تاسعا : صحبه الشيخ المعلم
فالعلم يؤخذ من أفواه العلماء ، فالطالب لكي يرتكز في طلبه للعلم على ركيزة صحيحة : عليه أن يجالس العلماء ، ويتلقى منهم العلم ، فيكون طلبه على قواعد صحيحة ، يتلفظ بالنص القرآني والحديث تلفظا صحيحا لا لحن فيه ولا تصحيف ، ويفهمه الفهم الصحيح المراد ، وفضلا عن ذلك فإنه يستفيد من العالم : الأدب ، والأخلاق ، والورع ، وعليه أن يتجنب أن يكون شيخه كتابة ، فإن من كان شيخه كتابه ، كثر خطؤه وقل صوابه .
ولا زال هذا الأمر في الأمة إلي وقتنا هذا ، وما برز رجل بالعلم إلا كان متربيا متعلما على يد عالم.


عاشرا : طول الزمان
فلا يحسب طالب العلم أن طلبه يتم بيوم أو يومين أو سنة أو سنتين بل إن طالب العلم يحتاج صبر سنين .
سئل القاضي عياض – رحمه الله تعالى :-إلي متي يطلب المرء العلم .
فقال : حتى يموت فتصب محربته على قبره.
وقال الأمام أحمد : جلست في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته.
ولا زال طلاب العلم الأذكياء يجالسون العلماء العشر السنين والعشرين سنة ، بل إن بعضهم يظل يجالسه حتى يتوفاه الله .


 
فهذه بعض الركائز التي ينبغي أن ينتبه لها الطالب لتحصيله العلمي .
أسأل الله صلي الله عليه وسلم أن يوفقني وإياكم إلي العلم النافع ، والعمل الصالح ، وصلي الله على نبينا محمد ، وعلي آله وصحبه ومن تبعهم واقتفي أثرهم بإحسان إلي يوم الدين .

تم ولله الحمد .
تم تحميل الأصل من شبكة إقرأ السلفية
ونسقه : أبو عبد الله الآجري